الكلمة !!!

 

الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على أكرم المرسلين، سيدنا محمد آخر النبيين.

أما بعد،،،

كل منا له لغته وأسلوبه الشخصي في الحديث والتواصل. فمنا من يتحدث باللغة العربية ومنا من يتحدث باللغة الإنجليزية ومنا من يتحدث بلغة الإشارة. كلها لغات ووسائل تعبير وتواصل. ومهما اختلفت اللغات ومهما اختلفت الأساليب تبقى الكلمة هي المحور الرئيسي لأي تعبير من بني البشر.

لعلنا نتحدث يوميا مع أفراد أسرتنا وأصدقاءنا ونكتب الرسائل أو المقالات ، ونقرأ ونستمع إلى أنواع مختلفة من الحوارات أو الخطب ، ولكننا لا نعي في تلك اللحظة بما يتضمنه كل ذلك من اختيار للألفاظ و تنسيق للأفكار و وصياغة للجمل وبراعة في التعبير. نستمع ونتحدث ونقرأ ونكتب دون أن ندرك ما تحويه هذه العملية من خطوات ودون أن نعي بأن نتيجة تلقي أي حديث مقروء كان أم مكتوبا إنما يعتمد على البراعة في كل مرحلة من تلك المراحل بدء من اختيار الألفاظ وانتهاء باختيار أسلوب التعبير.

كثير منا لا يدرك أهمية الكلام على الرغم من أن كل ما يحيط بنا يعتمد على الكلام. فلو تفكرنا قليلا لوجدنا أن ديننا يعتمد على الكلام. فقد خلق الله آدم وذكر في كتابه العزيز ((وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين)) (سورة البقرة ، الآية ٣٥). بدأت الآية بكلمة “وقلنا” فكان الأمر والنهي بالقول. بدأت رسالة النبوة بنزول الوحي على رسولنا الكريم وكان أول ما بدأ به الوحي كلمة “إقرأ”. واستمر بعدها الوحي في إيصال كلام الله عز وجل لنبينا الكريم صلى الله عليه وسلم في مواقف مختلفة ومن ذلك أصبح لدينا القرآن الكريم الذي يعلم ويربى وينظم معاملات الناس في مختلف العصور والأزمان.

نجد كثير من سور القرآن الكريم تحكي قصص وردت فيه على شكل حوار كحديث سيدنا موسى مع الله وحوار الهدهد مع سيدنا سليمان وحوار الله مع الملائكة وغيرها الكثير من أساليب الحوار التي وردت في القرآن والتي تعكس أثر البلاغة والفصاحة في التعبير والإقناع. فلو تفكرنا في الآية ٣٠ من سورة البقرة ((وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون)) (سورة البقرة ، الآية ٣٠) ، لو تفكرنا في هذه الآية قليلا لأحسسنا بأهمية الكلام والتعبير فعندما أخبر الله عز وجل وهو خالق البشرية ومالك الملك الملائكة أنه جعل في الأرض خليفة أجابته الملائكة بأسلوب فيه تعجب ورد عليهم عز وجل بتأكيد. ألا يشعركم ذلك بأن الحوار يستند على الأسلوب والتعبير! ولننظر إلى الآية التالية في نفس السورة ((وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين)) (سورة البقرة ، الآية ٣١). علم الله سبحانه آدم الأسماء ثم سأل الملائكة عنها وكان ردهم كما ورد في الآية ٣٢ ((قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم)) (سورة البقرة ، الآية ٣٢). قرأنا هذه الآية كثيرا ولكن هل تفكرنا في أسلوب الحوار؟! هل تساءلنا لماذا ذكرت كلمة الأسماء في تلك الآية؟! هل استشعرنا أهمية الأسماء وأهمية العلم والمعرفة؟! هل تأملنا كلام الله جل وعلا مع الملائكة والتدرج في الإبلاغ والتوضيح؟!

تأملوا معي قوله تعالى ((ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين)) (سورة البقرة ، الآية ٢٥٨). وردت الآية كحوار فيه تحد من ناحية وإقناع من ناحية أخرى وفي كلا الحالتين كانت اللغة والأسلوب هما الوسيلة في التعبير. إن أمعنا النظر وأطلنا التفكر في الكلمات الواردة في تلك الآية وفي تسلسل الحوار لاستشعرنا معنى وأهمية الكلمات والتراكيب والأساليب. لٍمَ لم يجادل سيدنا إبراهيم الرجل في أمر الإحياء والإماتة؟! لم استمر في الأسلوب الذي بدأ به وهو ذكر قدرات الله عز وجل؟! لماذا لم يثبت خطأ الرجل مباشرة وجعله يوقن ذلك من تلقاء نفسه؟! وهذا ما حدث حيث أن الحوار انتهى بأن بهت الذي كفر وثبت خطأه وبطلان ادعاءاته.

يغفل الكثير منا هذه الأيام عن أثر الكلمة على النفس في الإقناع أو الإخبار أو التعبير عن أية مشاعر نود إيصالها ، فأصبح البعض يقذف بكلامه دون تفكير فيما إذا كان ما يقوله جارحا أو محرجا متناسيا ما أمرنا به الله عز وجل وما حثنا عليه رسولنا الكريم. قال صلى الله عليه وسلم “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت” (الراوي أبو هريرة ، صحيح البخاري). عجبا لأمر كثير من الناس اليوم! يعلمون أن ما يقولونه مضر ويتعمدون قوله. ليتهم يتفكرون في ما يحث عليه هذا الحديث ويعقلون أهمية الكلام في أحيان وأهمية تفاديه في أحيان أخرى.

كان الملوك والأمراء والحكام يجمعون الجيوش والشعب ويخطبون بهم وكانوا بحديثهم وتعبيرهم يحكمون دولا عظمى. ولو عدنا بذاكرتنا قليلا إلى الوراء لرأينا صورة هتلر وهو يأسر قلوب الألمانيين لما كان يمتلكه من إبداع لفن الخطابة. وهناك الكثير والكثير من الأمثلة التي توضح وتزرع فينا الإحساس بأهمية اختيار الألفاظ وأسلوب التعبير فلٍمَ نجتث ذلك من صدورنا ونجرد تعابيرنا من أية محاسن لغوية وأية آداب تعبيرية! لمَ لا نعود ونفتخر بلغتنا الثرية بمصطلحاتها ونتلذذ بتباين التعبير وتذوق أساليبه؟! لِمَ لا نرتقي بأفكارنا وتعبيرنا؟! لمَ لا نجعل من كلماتنا بلسما يداوي الجروح ويبني الصروح؟!

 

الكلام هو ترجمة للمشاعر وترجمان للعقول والقلم أو اللسان أو حتى اليد في حال استخدام لغة الإشارة هم الوسيلة لإيصال تلك المشاعر وتبادل تلك الأفكار. فلنجعل منهم وسائل تواصل وتقارب لنجتمع ونتآلف ونرتقي .

 

 بقلمي المونت بلانك / سعيد!!!

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.